للتضخم النقدي حكاية .. عنوانها: الدولار الزيمبابوي
أن تكون ثرياً بإمتلاكك كمية هائلة من النقود فهذا شيء جيد وجميل حقاً. لكن في الواقع, ليس كل ما يلمع ذهباً.
لأنه في بعض الأحيان إذا إمتلكت ثروة لانهائية بأرقام فلكية يصعب حتى تعداد أرقامها, قد تكون في الواقع لاتساوي سنتاً واحداً!
وهذا مايسمى بالتضخم. وللتضخم عنوان رئيسي هو: (الدولار الزيمبابوي)
إذا أردت تحقيق حلمك بإمتلاكك ثروة في عز شبابك, ما عليك سوى إقتناء الدولار الزيمبابوي كعملة رسمية لك!
ما حكاية هذه العملة؟
وإلى أي حد من الحدود التي وصل التضخم فيها؟
ماحكاية فئة (100 كوادريليون دولار زيمبابوي)؟
في الواقع: كم صفراً في هذه الفئة؟
بل يجب السؤال هنا: ما الذي يمكنك أن تشتري بها؟
عندما جاء الدولار الزيمبابوي إلى الوجود أول مرة في العام 1980، كان لديه قيمة مماثلة للدولار الأمريكي. لكن بحلول العام 2009، كان الدولار الأمريكي الواحد يساوي 675.6 دولار زيمبابوي. وكان بنك انجلترا قلقاً من زيادة التضخم في المملكة المتحدة بأكثر من 2٪ في السنة، في حين بلغ التضخم في زيمبابوي 79.6 مليار%.
ولم يكن باستطاعة البنك المركزي في البلاد تحمل طباعة الورقة النقدية التي لا قيمة لها، فأصدر الرئيس موغابي مرسوماً لحظر ارتفاع الأسعار. ليتم القضاء على مدخرات المواطنين وكذلك دخل السكان الفقراء، حيث كان التجار يرفعون الأسعار في كثير من الأحيان بين الصباح والظهيرة، تاركين أجور العمال تقريباً لا قيمة لها في نهاية اليوم.
بدأت مشكلة التضخم في زيمبابوي في مطلع العام 2000 حيث إنهار القطاع الزراعي مما أدى إلى هجرز ثلث سكان البلاد وأصبحت نسبة البطالة أكثر من 80% وهوت العملة المحلية في "زيمبابوي" لتسجل رقما قياسيا تاريخياً في الهبوط وتصبح قيمتها أقرب إلى الصفر وربما ما دون الصفر، حيث يؤكد مراقبون ومحللون اقتصاديون أن قيمة الورق الأبيض الخام أصبح أعلى من قيمة الورقة النقدية الصادرة عن حكومة زيمبابوي.
وفي العام 2008 وصل سعر السنت الأمريكي الواحد إلى 500 مليار دولار زيمبابوي. وفي العام 2009 ألغت الحكومة العملة، وجعل الدولار الأمريكى والراند الجنوب أفريقي هي العملات الورقية والمعدنية الرئيسة في البلاد. وحتى يومنا هذا، لا تزال زيمبابوي لا تملك أي عملة خاصة بها، على الرغم من أن الحكومة عرضت العام الماضي مبادلة حسابات ودائعها القديمة إلى الدولارات الأمريكية، بحيث يمكن لمالكي الدولار المحلي بإمكانهم تحويل أرصدتهم إلى دولار أمريكي بحيث يساوي الأخير 35 مليون مليار دولار زيمبابوي، وهو الذي يطلق عليه اسم (كوادريليون). أي إعطاء المدخرين 5 دولارات أمريكية لكل 175 كوادريليون دولار زيمبابوي.
يشار إلى أن آخر عملة طبعت في زيمبابوي كانت بقيمة 100 تريليون دولار، ولم تكن كافية لاستقلال حافلة لمسافة صغيرة في العاصمة هراري, بل وتحتاج إلى رزمة ضخمة منها لمجرد شراء المستلزمات المنزلية، علماً أن العملات المحلية باتت تباع كتذكار للسياح.
اشتهرت زيمبابوي لسنوات عدة بصورة مشينة بمشكلة مناقضة تماماً، ألا وهي معدل التضخم المحير للعقول، حيث يتطلب الذهاب إلى أحد المحال التجارية كمية كبيرة جدا من النقود. وفي يناير (كانون الثاني) 2009، قامت الدولة بإصدار أوراق نقدية بقيمة 100 تريليون دولار زيمبابوي، والتي سرعان ما أصبحت عديمة القيمة، حتى إنها لم تعد كافية لشراء رغيف من الخبز (يتم تداول هذه الأوراق النقدية الآن على موقع «إي باي» كهدايا مضحكة).
لنتابع حكاية التضخم في زيمبابوي مع الصور التالية:
1. بدأت مع إرتفاع نسبة التضخم بنسبة كبيرة وجنون الأسعار معها, فأطلقت ورقة نقدية من فئة 200.000 دولار زيمبابوي:
2. في شهر حزيران من عام 2008 أطلقت ورقة نقدية من فئة 500.000 دولار زيمبابوي:
3. ومن ثم ورقة نقدية من فئة 750.000 دولار زيمبابوي:
4. ثم أطلقت ورقة نقدية من فئة 10 ملايين دولار زيمبابوي:
كم أنت ثري أيها المليونير!
المليونير الصغير!
5. مما اضطر الحكومة إلى إصدار ورقة نقدية جديدة من فئة 50 مليون دولار زيمبابوي:
6. ثم من بعدها 250 مليون دولار زيمبابوي:
سعر البنطال الرجالي في زيمبابوي وصل إلى 2 مليار و 765 مليون دولار زيمبابوي!
7. وفي 31 ديسمبر عام 2008 تم إصدار ورقة نقدية من فئة 500 مليون دولار زيمبابوي:
8. وبعد شهر, أطلقت الحكومة ورقتين نقديتين من فئة 25 و 50 مليار دولار زيمبابوي:
9. وأخيراً, أطلقت الحكومة ورقة نقدية من فئة 100 مليار دولار زيمبابوي!
لكن ما الذي يمكنك شراؤه بها؟ الجواب: 3 بيضات فقط!
لاحقاً, قررت الحكومة حذف 10 أصفار من جميع فئات العملات الورقية, فأصبح لدينا ورقة جديدة من فئة 10 دولارات زيمبابوية:
وبهذه الكمية الجديدة من النقود, يمكنك الحصول فقط على 4 حبات طماطم:
وهذه من أجل الخبز:
وللقضاء على هذه المشكلة, فقط تم إصدار ورقة نقدية جديدة من فئة 20.000 دولار زيمبابوي:
ومن ثم ورقة نقدية جديدة من فئة 50.000 دولار زيمبابوي:
ومازال التضخم مستمر مجدداً ...
ومنذ أن بدأت زيمبابوي استخدام الدولار الأميركي كعملة رسمية لها في عام 2009 دخلت البلاد في مأزق مفاجئ، حيث ارتفعت قيمة الأموال في زيمبابوي بشكل هائل بعد أن كانت متدنية جداً في الماضي. ويقول توني هوكينز، وهو عالم اقتصاد في جامعة زيمبابوي: «يعتبر الدولار الواحد مبلغاً كبيراً من المال بالنسبة للمواطنين العاديين في زيمبابوي».
يطلق المواطنون على هذه الأزمة «مشكلة العملات المعدنية» والتي تتمثل ببساطة في ندرة تلك العملات في البلاد. العملات المعدنية ثقيلة، مما يجعل عملية شحنها إلى البلاد باهظة الثمن. وفي دولة يعيش فيها ملايين الأشخاص على دولار واحد أو دولارين في اليوم، أصبحت محاولة الوصول بقيمة أي معاملة إلى دولار كامل بمثابة مشكلة قومية.
وعلى الرغم من ذلك، يعتبر هذا المأزق الجديد تطوراً كبيراً في زيمبابوي. ويقول المحللون إن استخدام الدولار الأميركي أنقذ زيمبابوي من الانهيار الاقتصادي الكامل وأبعدها عن حافة الهاوية التي كانت متجهة إليها، حيث إنه قضى تقريباً على مشكلة التضخم.
قد يثير انتباهك أيضاً:
- مجموعة بريكس ... ما هو مستقبل الدولار الأمريكي بعد توسعها؟
- اقتصاد كأس العالم .. ليست مجرد مباراة فحسب!
- الجمعة السوداء أو Black Friday ... أنفق كل ما ادخرته في هذا اليوم, ولكن؟
- الاقتصاد الإسلامي وعلاجه لتداعيات جائحة كورونا ... هل هو الحل؟ (مقال رأي)
- الضريبة الوردية .. الرجال معفيين منها بلا شك!
- اقتصاد سنغافورة والتجربة السنغافورية .. ماذا ينقصنا؟
التعليقات