الاقتصاد الإسلامي وعلاجه لتداعيات جائحة كورونا ... هل هو الحل؟ (مقال رأي)
في خضم ما حدث في أعقاب الأزمة المالية سنة 2008, توجهت أنظار العالم إلى الاقتصاد الإسلامي حيث أُبهروا في ثباته ومرونته وأقل الاقتصادات تزعزعاً في تلك الأزمة. لكن كان هناك أيضاً دول أخرى تلتفت بشكل ضئيل للمالية الإسلامية حتى قبل الأزمة كالصين واليابان والمملكة المتحدة فالاقتصاد الإسلامي هو نظام ومذهب اقتصادي وله أسسه وضوابطه وتشريعات تحكمه ويخضع لها ويستمد قوته من خلال القوانين ذات المصدر الديني.
فالاقتصاد الإسلامي هو العلم الذي يُعنى بدراسة الأسس والمبادئ والقيم الإسلامية المتعلقة بالمال وكيفية تطبيقها على الأنشطة الاقتصادية لتحقيق رفاهية الإنسان ولا يقر بالندرة النسبية ولا يدخل في قيود قانون جيرشام, وهو يرتكز على التنمية الحقيقية الأصولية للمعاملات القائمة على تحمل المخاطرة مقابل الربح وتعزيز التكافل الإجتماعي وتوزيع الثروة بالطرق العادلة, فالقاعدة الجوهرية التي يتبناها هي المتاجرة والمرابحة دون فوائد ودون دخول الربا وشوائبها بالمعاملات.
ويمتاز بالحقوقيّة أي إعطاء كل فرد نصيب من الحصة بحسب جهده أو تحمله للغرم, فيمكن أن يتم تلخيصه بالآيه الكريمة ﴿وَإِن كانَ ذو عُسرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقوا خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ﴾ (البقرة، 82)، فهنا المفصل الحقيقي للصيرفة والاقتصاد الإسلامي أنه يحث على المسارعة وحتى الأمر بالعمل والمتاجرة والمشاركة لكن إن حدث دَين وهذا شئ حتمي في المتاجرات فيتحتم على الفرد إمهال الآخر لما له من آثار اقتصادية ومالية والأجمل وهي ما تنقص الاقتصاد التقليدي آثار اجتماعية وروحية مما تعزز مبدأ التكافل والوسطية والود.
ولم يقتصر على ذلك بل حتى لمح على أن تسامحه بالدين. فلم ذلك؟ حتى لا تخدش كرامته ولا يذل جبينه إثر التداعيات والمشكلات فيراعي جميع الجوانب ويعمل على تعزيز أواصر مجتمع مثالي ومتكامل ذو مصلحة واحد. ثم بعد ذلك أقرن الله سبحانه بإن كنتم تعلمون - وهنا البعد الآخر وهي بالتبعات الاقتصادية والمالية حتى على مورد الدولة وكبح جماح تمادي النقد - إن خرج عن مضمونه وكونه كوسيلة، فمن المستحيل أو الصعب جداً أن ينهار ذاك النظام لأنه في حال مرور عملية تنموية سيقوم بتفصيلها وتفكيكها حتى قبل وجودها وفي أثناء عملها وبعد إنهائها، فهو مطلع ومراقب ومسيطر على العملية حتى يصبح لديك اقتصاد كفؤ طبيعي حقيقي فمقابل كل حصاد هناك زرع.
وأيضاً من التطرقات العصرية لها إن كنت تاجر أو شركة ربحية, فالصدقة لا تعني الخسارة بل زيادة الدفع والقوة بعجلة الاقتصاد مما يعمل على نمو التنمية الاقتصادية والخروج من هذه الأزمة التي تعصف بكل حي. ومما لا ينكره أحد أن التمويل الإسلامي بات بلا شك ذا يد بالعالم أجمع ولو تم النظر إليه لأقبل متهافتاً ينفض هذا الألم الاقتصادي ويعيد للاقتصاد بريقه.
وهذا الخلاف الجوهري الذي يطرأ بينه وبين الاقتصاد التقليدي من قيامه على إعطاء التمويل دون مراقبة وتتبع العملية وعلى المدى البعيد يكون هناك تنمية وهمية غير مغطاة ولا معتمدة على أصل حقيقي فالنتيجة الحتمية أن تتسبب بالأزمات ولذلك ذكر أيضا تحريم الربا قطعاَ قليله وكثيره والتدقيق على لفظ (أضعاف مضاعفة) لأنه من الصعب جداً حين ترتفع نسبة الفائدة والمبلغ الزائد المركب الإضافي أن تسامح به مما يظهر المشاحة والغل في المعاملات.
فيمكن للتغلب على الجائحة ما يلي:
- إعمال النظر واللجوء للاقتصاد والتمويل الإسلامي فهو الملجأ الأخير.
- تفعيل حقيقي لأدواته المالية ومؤسساته من خلال التسهيلات التشريعية وتحسين أسس الحَوكمة.
- الدول العظمى سواء إشتراكية أو رأسمالية بدأت بالتطرق لنظام ما يعرف بـ "%0 فائدة" وإذا أنعمنا النظر قليلاً نجد أنهم لجؤوا للاقتصاد الإسلامي وهنا يجب على رواده إبراز صورته.
- تفعيل وتكوين الصناديق المالية لإدارة أموال الوقف والتبرعات والزكاة مما يقلل من العبء المالي للديون وتخفيض العجز المالي لميزان المدفوعات.
- التوجه لدعم المؤسسات الصغيرة والمشاريع الرائدة من خلال أنظمة المضاربة والاستصناع والسلم الإسلامية والشركات الكبرى على عقود المرابحات والمشاركات والتأجير.
- تطبيق القواعد التمويلية والمصرفية الإسلامية في المؤسسات والجهات المالية مما يعمل على تحقيق عوائد مالية واجتماعية وتحقيق التنمية والرفاه للأفراد.
والحديث هنا يطول على آلية وأدوات المالية الإسلامية لكن من الجميل بالذكر أن إغلب دول العالم اليوم بدأت تتوجه توجهاً كبيراً إلى الاقتصاد الإسلامي وكان من أبرزهم خارج الوطن العربي: (تركيا, ماليزيا, الصين, اليابان, الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة) حيث ظهر أحد أبرز المسؤولين في المملكة المتحدة ليقول ("سوف نصبح العاصمة الأولى في العالم للمالية الإسلامية") حيث بغلت نسبة التمويل الإسلامي في العالم أكثر من 2 تريليون دولار.
وأما من الناحية الدينية والأخلاق الإسلامية فهناك تكمن أيضاً حلول خبيئة للمعالجة من الكارثة والوباء ولا يقتصر الدين على الناحية الروحانية والعبادات وإنما ارتباط مع الخالق العظيم وراحة وطمأنينة معنوية حقيقية. ومن الأسباب الغير مباشرة الاختلاط المحرم وهذا ما يخفف على الوجه العام وقد ذكرته الشريعة على الوجه الخاص قبل سنين.
فمثلاً, أبرز الحالات والأمثلة القريبة للعلاج الإسلامي للأوبئة هو ما فعلته إدارات بلاد الشام ومصر في العصر المملوكي حيث قامت الدولة آنذاك بإصدار أوامر بإراقة الخمور ومنع تعاطي الحشيش ووجهت الناس لصيام ثلاثة أيام يكون الاخير منها يوم الخميس وبإبطال جميع الضرائب والمكوس وغيرها من القرارات. إن هذه القرارات تعمل على إعادة الأشخاص إلى تقويم سلوكهم مع خالقهم مما ينتج عنه الالتزام وحسن الانضباط والخوف من ضرر الغير وتقوية الضمير والوازع الداخلي وهذه أقوى الدفاعيات المناعية والمعنوية.
— حسام الدين أبو هلالي
قد يثير انتباهك أيضاً:
- مجموعة بريكس ... ما هو مستقبل الدولار الأمريكي بعد توسعها؟
- اقتصاد كأس العالم .. ليست مجرد مباراة فحسب!
- الجمعة السوداء أو Black Friday ... أنفق كل ما ادخرته في هذا اليوم, ولكن؟
- الضريبة الوردية .. الرجال معفيين منها بلا شك!
- اقتصاد سنغافورة والتجربة السنغافورية .. ماذا ينقصنا؟
- تعويم العملات .. هل هي فعلاً قادرة على السباحة والعوم؟
التعليقات