الجمعة السوداء أو Black Friday ... أنفق كل ما ادخرته في هذا اليوم, ولكن؟
"صدر هاتف محمول جديد في السوق ولكنه غالٍ، سأنتظر عروض البلاك فرايداي"، "يلزمني تلفاز جديد سأنتظر البلاك فرايداي"، "يوجد الكثير من العروض في يوم البلاك فرايداي، سأشتري ما يلزمني غداً"، ....
كثيراً ما تراودنا نحن أو من حولنا بعض من هذه الخواطر والأفكار عن هذا اليوم على أنه يوم العروض التي لا تقاوم ويوم الشراء الذي لا يفوت ويوم التزاحم والنزاع على المنتجات، كأنه هو اليوم الوحيد الذي يشتري الكل فيه أغراضهم عوضاً عن السنة كلها.
أصبحت الجمعة السوداء (Black Friday) أحد أكثر أيام التسوق ازدحاماً في العام في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا وكثير من الدول حيث تقدم المتاجر بشكل تقليدي عروضاً خاصة على أسعار مجموعة متنوعة من السلع في محاولة لجذب المتسوقين إلى المتاجر مع تقديم صفقات مماثلة عبر الإنترنت. بالرغم من الإقبال الكبير من جانب المتسوقين على الشراء خلال ما يعرف بـ "Black Friday"، فكل ما يعرفه الكثيرون عنها هو فقط ارتباطها بالتسوق استعداداً لأعياد الميلاد.
لكن ما قصة تخفيض الأسعار يوم الجمعة السوداء؟
ولماذا سميت بالجمعة السوداء؟
عادةً، لا يرتبط المستهلكون بأوقات لشراء احتياجاتهم فدائماً لا يشعر البعض بالاكتفاء فغريزة الشراء للاحتياجات سواء أكانت الأساسية أو المكملة تملأ الجميع. مثلاً إذا كنت تمتلك هاتف محمول حديث وعلمت أنه تم إصدار هاتف أحدث فستحتاج إلى شراء آخر أكثر تطوراً على الرغم من أن الهاتف القديم لا يزال يعمل بشكل ممتاز ولم يمضِ عليه الكثير من الوقت ليصبح خارج الخدمة.
غريزة التسوق والشراء التي أصبحت إدماناً لدى الكثيرين -خاصةً في الجمعة السوداء- وينتظرها الملايين حول العالم لتصفح مواقع التسوق لما تشهده من تخفيضات ضخمة قد لا تكون إلا في يوم الجمعة السوداء.
في العادة، يكون موعد الجمعة السوداء في آخر يوم جمعة من شهر نوفمبر - تشرين الثاني من كل عام, اليوم التالي لعيد الشكر في الولايات المتحدة الأمريكية.
تاريخياً، بدأت حكاية "الجمعة" بأزمة اقتصادية ضخمة عندما قام خبيرا المال الأمريكيان "جيم فيسك" و "جاي غولد" بشراء كمية كبيرة من الذهب أملاً في تحقيق أرباح ضخمة من خلال بيع الذهب لاحقاً بعد ارتفاع سعره، وفي الرابع والعشرين من سبتمبر/ أيلول عام 1869 انهار سوق الذهب الأمريكي وسمي هذا الانهيار الذي بدأ يوم الجمعة بالجمعة السوداء ما دفع "فيسك" و "جاي" لإعلان إفلاسهما.
وجاء هذا اليوم لتنخفض قيمة الأسهم 20% وتوقفت التجارة الخارجية وعانى المزارعون من انخفاض بنسبة 50% من قيمة محصول القمح والذرة. ولتغطية الخسائر، اضطر أصحاب المحلات التجارية والسلع لبيع بضائعهم بأقل من ثمنها. ومع مرور الأيام، اعتاد التجار على تقديم تخفيضات كبرى على بضائعهم في مثل هذا اليوم كل عام لتذكر هذه الأزمة.
لكن ظاهرة التسوق التالي لعيد الشكر بدأت قبل ذلك حتى أن الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين روزفلت قرر في عام 1939 تقديم الاحتفال بعيد الشكر لإسبوع كامل أملاً في أن تنعش المبيعات الاقتصاد الأمريكي حينها بسبب أزمة الكساد الكبير عام 1929.
هذا لم يكن سبب تسمية هذا اليوم بالجمعة "السوداء". يقال أنها ظهرت أول مرة في عام 1960 من قبل شرطة مدينة فيلاديلفيا التي أعطت هذا المسمى حيث كانت تظهر اختناقات مرورية كبيرة وتجمهر وطوابير طويلة أمام المحلات خلال هذا اليوم المعروف بالتسوق فوصفت إدارة شرطة مدينة فيلادلفيا ذلك اليوم بـ "الجمعة السوداء" لوصف تلك الفوضى والازدحامات في حركة المرور من مشاة وسيارات.
يقال أيضاً أن له مدلول يدل في التجارة والمحاسبة حيث أن الكتابة في اللون الأسود يدل على الربح والتخلص من الموجود في المستودعات بينما تعبر الكتابة باللون الأحمر على الخسارة والعجز أو تكدس البضاعة وكساد العمل، لكن هذا التفسير غير مرجح.
الجمعة السوداء في المنطقة العربية والإسلامية
بالرغم من أن هذا الحدث منتشر في الدول الغربية ومعظم دول العالم إلا أن موقع سوق دوت كوم السعودية قد أطلق سنة 2014 مبادرة بمثابة رد على يوم "الجمعة السوداء" الخاصة بالأسواق العالمية وأطلق عليه اسم "الجمعة البيضاء" واستبدل اللون الأبيض بالأسود لخصوصية يوم الجمعة لدى أغلبية العرب من المسلمين.
إحصاءات وأرقام
في يوم الجمعة السوداء للعام 2019 وفقاً لمحللين من شركة Adobe، فإن المستهلكين أنفقوا 7.4 مليار دولار أمريكي ممن يتسوقون إلكترونياً باستخدام حواسيبهم المكتبية واللوحية وهواتفهم الذكية ويمثل هذا الرقم زيادة بمقدار 1.2 مليار دولار عن مبيعات الجمعة السوداء 2018.
وبحسب بيانات نفس العام المذكور، كانت المنتجات الأكثر مبيعاً وقتها هي ألعاب تحمل أشكال أبطال فيلم الرسوم المتحركة "Frozen 2" و "بو باترول"، أما أفضل مبيعات ألعاب الفيديو فتضمنت لعبة "FIFA 20" و "مادن 20" ومنصة Nintendo Switch، في حين تضمنت الإلكترونيات الأكثر رواجاً خلال ذلك اليوم حواسيب آبل المحمولة وسماعات آبل اللاسلكية AirPods، وتلفزيونات Samsung.
خصومات مذهلة، ولكن؟
بالطبع لا شيء يثير شهية المتسوق للشراء أكثر من تخفيض كبير في الأسعار، وهذا هو السبب وراء أهمية عروض الجمعة السوداء حول العالم: توفير المنتجات والبضائع بتخفيضات كبيرة لا تتكرر بقية العام. في الواقع، يبدو أن هناك الكثير من الخداع في هذا الأمر تحديداً تتبعه الكثير من المتاجر التقليدية والإلكترونية على حد سواء.
للوهلة الأولى ستجد أن التخفيضات الهائلة تبدو كبيرة للغاية بل وحتى غير معقولة، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن الكثير من المنتجات والبضائع يتم بيعها طوال العام في إطار نسبة تخفيض محدد عن السعر الذي يحدده المصنع وتسمى "MSRP" أي "Manufacturer's Suggested Retail Price" وبالتالي فالمنتج الذي تقتعد أنه حاز خصماً كبيراً في يوم الجمعة السوداء هو في الواقح حاز خصماً بسيطاً للغاية عن السعر الذي كان يباع به طوال العام.
فمثلاً إذا كنت تريد شراء منتج في يوم الجمعة السوداء قيمته الإسمية 100$ ووجدت عليه خصماً بنسبة 30% مما سيجعلك تشتريه بقيمة 70$. للوهلة الأولى يبدو لك أنك حصلت على خصم كبير لكن في الواقع أن هذا المنتج كان يباع بالفعل في نفس المتجر أو غيره بقيمة 80$ طوال العام مخصم معتاد تجريه المتاجر لتنشيط مبيعاتها. ولذلك، فإنك حصلت فقط على خصم 12.5% من السعر المعتاد بيعه وليس 30% كما يبدو لك للوهلة الأولى.
أيضاً، تقوم بعض المتاجر أيضاً باستباق الموقف قبل قدوم الجمعة السوداء فتبادر برفع أسعار المنتجات بنسب أكبر من المعتاد ومن ثم تخفيضها مرة أخرى يوم الجمعة السوداء بنفس النسبة أو حتى أقل بحيث لا تزيد نسب الخصومات الفعلية على 10%.
هذا بحسب تقرير نشرته "Wall Street Journal" بعنوان "الأسرار القذرة للجمعة السوداء" ذكرت أن من أشهر تكتيكات المتاجر في هذه الفترة هي أن تقوم بزيادة أسعار المنتجات زيادةً طفيفةً أو متوسطة قبل أيام من قدوم الجمعة السوداء وبالتالي عندما تقوم بعرض خصوماتها فستبدو للجمهور أنها خصومات كبيرة -مقارنةً بالسعر المزيف السابق- بينما هي في الواقع خصومات طفيفة للغاية، ورصد التقرير زيادة قدرها 8% شملت 20% من البضائع التي قامت بتعقبها قبل الجمعة السوداء وزيادات وصلت حتى 23% وسطياً في بعض المنتجات والألعاب.
الجمعة السوداء، أونلاين
وكما ذكر التقرير السابق حول أساليب المتاجر في التلاعب في الأسعار ونسب الخصومات, فالآن مواقع المتاجر الإلكترونية تستخدم ملفات Cookies بهدف تتبع زوارها الإلكترونيين وسلوكهم. يكمن دور هذه الملفات الصغيرة في تتبع سلوك المتسوقين والبضائع التي يتصفحونها ويشترونها، لذلك عندما تعود إلى المتجر الإلكتروني لاحقاً ستجد نفسك مباشرة أمام المنتجات التي تعودت على تصفحها وشرائها وسيقترح لك منتجات جديدة بناءً على تفضيلاتك واهتماماتك حسب مشترياتك وسلوكك.
هذه التقنية مفيدة حقاً باعتبار أنك (كونك المتجر الإلكتروني) تسمح للمتسوق والتاجر بتسهيل عمليات التسوق والشراء، وبالرغم من ذلك فقد يُساء استخدامها في يوم الجمعة السوداء التي تسعى لتحقيق أكبر قدر من الأرباح. لكن كيف تتم هذه العملية؟
عندما توضّح الـ Cookies للمتجر بأن هناك عميلاً ما عادةً ما يزور المتجر بشكل متكرر ويقوم بالدفع بشكل كامل للحصول على مشترياته وأن سلوكياته التسوقية سخية، فهذا العميل قد لا تُعرض أمامه عروض تسويقية تشمل الخصومات المعلنة في يوم الجمعة السوداء التي تظهر للمستوقين الذين تظهر عليهم سلوكيات تميل للتمهل وانتظار العروض والخصومات. لذا ينصح دائماً لتصفح العروض بحيادية أن يكون باستخدام خاصية Incognito Mode التي تمنع المتجر الإلكتروني من قراءة ملفات Cookies.
اشترِ الآن قبل أن تنفد الكميات!
واحد من أهم وأشهر التكتيكات التسويقية في هذا اليوم تحديداً هو خلق جو عام من الطوارئ والاستعجال للمشتري بحيث يدفعه هذا المناخ إلى الإسراع بالشراء دون التمهّل في التفكير أو تفحص المنتج الذي يرغب في شرائه. دائماً ستجد في هذا اليوم إعلانات جذابة تخبرك بضرورة الإسراع حالاً للشراء وإلا لن تجد المنتج وأنه سينفد قريباً بسبب محدودية الكميات المعروضة، فضلاً عن فكرة الإسراع في الشراء بحد ذاتها باعتبار أن هذا اليوم سيمر سريعاً وأنه إذا فاتك الشراء فستخسر صفقة لن تتكرر ثانية.
في المتاجر الإلكترونية ستجد مؤقتاً زمنياً تستخدمه في الصفحات الرئيسية خلال هذا اليوم ليشعر المتسوق أن الوقت يمر سريعاً إذا لم يقرر شراء المنتج في أقرب فرصة فسيخسر الخصومات. هذه الحالة معروفة بين المسوقين باسم "FOMO" وتعني "Fear Of Missing Out" أي "الخوف من أن يفوتك شيء".
تتجلى هذه الحيلة إذا كنت ستتسوق في متجر تقليدي فكل البضائع والمنتجات الموضوعة على الرفوف تم وضعها بعناية فائقة لتقع عيناك دائماً على المنتجات التي تجذبك لإنفاق ما في جيبك متصوراً أنك حصلت على أفضل صفقة هذا العام. لكن في الواقع ستجد نفسك أمام منتجات وبضائع مرتفعة السعر حتى بعد الخصومات، وإيحائك أنك إذا لم تشترِ هذه المنتجات سريعاً ستكون من الخاسرين.
ليش كل ما يلمع ذهباً. كيف ذلك في يوم الجمعة السوداء؟
الكثير من المتاجر التقليدية والإلكترونية على حد سواء تستقبل عدداً كبيراً من البضائع والمنتجات التي صممت لعرضها في هذا اليوم بالتحديد بأسعار مخفضة وبجودة أقل تناسب السعر المعروض به. تتنوع هذه المنتجات لكنها تتركز بشكل أساسي على الإلكترونيات مثل شاشات التلفاز والأجهزة الإلكترونية المنزلية والحواسيب، يتم تصنيعها بأسماء ماركات عالمية ذات جودة قليلة وأحياناً رديئة، مستغلّين شدة الازدحام في المتاجر وعدم كفاية الوقت لتفحص المنتج ومعرفة ما إذا كان أصلياً أو تقليداً.
أيضاً, أكثر المنتجات والبضائع المعروضة للبيع في يوم الجمعة السوداء عادةً ما تكون طرازاً قديماً تم عرضه في السنوات السابقة كما هو وتسعى الشركات المختلفة لعرضها ثانيةً لتصفحية مخازنها منها عن طريق طرحها مع خصومات وأسعار تبدو تنافسية ومغرية للغاية بدلاً من تكبد خسائر الاحتفاظ بها لفترات طويلة دون جدوى. صحيح أنك ستجد بعض المنتجات الحديثة ضمن العروض والخصومات إلا أنها عادةً ما تكون محدودة الكمية، فضلاً عن أن مستوى الخصومات ليس كبيراً مقارنةً ببقية المنتجات.
نصائح لتسوق أفضل
أفضل طريقة على الإطلاق للتسوق في هذا اليوم هو إعداد خطة بالأشياء التي ترغب بالفعل في شرائها في هذا اليوم، ولا تدخل إلى أي متجر إلا وقد أعددت قائمة بالمنتجات التي تهتم بشرائها حتى لا تقع ضحية إغواء العروض الترويجية الكبيرة في هذا اليوم لمنتجات قد لا تحتاج إليها على الإطلاق.
في النهاية، يبقى يوم الجمعة السوداء حدث تسويقي مهم يكمن فيه العديد من المكاسب لكل من البائع والمشتري. فبالنسبة للبائع فيجب عليه ألا يستغل إقبال المستهلكين على الشراء بوضع عروض غير صحيحة ومتدنية الجودة، وعلى المشتري أن يحدد سلفاً ما يحتاج إليه بالفعل ولا يترك رغباته تنجرف وراء سيل الإعلانات والعروض والخصومات التي تحاصره في كل مكان.
المصادر:
- الجمعة السوداء — معرفة
- ما هي الجمعة السوداء ومتى تنطلق التخفيضات هذا العام؟
- ما هو سر "الجمعة السوداء"؟
- «البلاك فرايدي» فرصة لاستهداف عملاء التسوق الإلكتروني.. فما هي «الجمعة السوداء»؟
- نحو 3 مليارات أنفقت باستخدام الهواتف الذكية.. 7.4 مليارات دولار مبيعات الجمعة السوداء على الإنترنت
- "الجمعة السوداء".. حيل قذرة تلجأ إليها المتاجر لجعلك تدفع أكثر
قد يثير انتباهك أيضاً:
- مجموعة بريكس ... ما هو مستقبل الدولار الأمريكي بعد توسعها؟
- اقتصاد كأس العالم .. ليست مجرد مباراة فحسب!
- الاقتصاد الإسلامي وعلاجه لتداعيات جائحة كورونا ... هل هو الحل؟ (مقال رأي)
- الضريبة الوردية .. الرجال معفيين منها بلا شك!
- اقتصاد سنغافورة والتجربة السنغافورية .. ماذا ينقصنا؟
- تعويم العملات .. هل هي فعلاً قادرة على السباحة والعوم؟
التعليقات